مصر بيتنا

مصر بيتنا

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

ملاحظات على منظر دخول الأسيويين مصر فى مقبرة (خنوم حتب)

ملاحظات على منظر دخول الأسيويين مصر فى مقبرة (خنوم حتب)
يكتب:
أ.د عبدالحميد عزب
أستاذ الاثار والحضارة المصرية القديمة

يعد منظر تصوير الأسيويين على الجدار الشمالى من مقبرة (خنوم حتب الثانى) فى منطقة مقابر بنى حسن الشروق بالمنيا التى كانت تتبع الأقليم السادس عشر من أقاليم الوجه القبلى فى مصر القديمة من أهم الأدلة الآثرية المتاحة التى تعود الى عصر الدولة الوسطى والتى يمكن لأى باحث أن يستدل منها على أمور تاريخية وحضارية معينة.

يمثل المنظر قافلة أو قبيلة من سبعة وثلاثين شخصاً مابين رجال ونساء وأطفال، يتقدمهم رئيسهم كما كتب أمام رأسه بالمصرية "حكا خاست" بمعنى " حاكم البلد الأجنبى "والتى أصبحت فيما بعد فى صيغة الجمع "حكاو خاسوت" بمعنى "حكام البلدان الأجنبية" أو "الهكسوس"ويعتبر هذا المنظر مستنداً واضحاً يمثل بدايات دخولهم وتسلطهم على حكم مصر بصورة تدريجية ثم أصبحت غالبة وطاغية فيما بعد عصر الدولة الوسطى.

إعتمد البعض على شكل ملابسهم المبرقشة بخطوط أو مربعات رأسية أو طولية بأنهم من الأموريين (الشعب السامى الأول الذى هاجر من نجد فى قلب الجزيرة العربية إلى الأقليم السورى) ولكن هذا الرأى غير مقبول لعدم تقديم شروح تفسر وتؤكد ذلك.

لقد أقبلت قافلة الأسيويين إلى مصر كما يوضح النص هنا من أجل جلب الكحل (مسجمت) يقول النص:
"الكحل الذى جلب من أجله (بواسطة) سبعة وثلاثين من العامو (الآسيويين) "لقد حمل أحدهم آلة موسيقية وترية وهى الطنبور (صورة مصغرة من الجنك الكتفى) والبعض الآخر حمل الأقواس والسهام وبدون شك فإن  لحاهم الكثيفة وشكل الشعر على الرءوس يدل على أصلهم الآسيوى.


أبينا إبراهـيم وعصر الدولة الوسطى:

لقد جاء أبينا ابراهيم إلى مصر على الأرجح خلال عصر الدولة الوسطى من حيث كان يقيم فى أرض فلسطين يطلب فيها الزاد والرغد والباحة فى العيش من بلاد ضربها القحط والجفاف كما يقول المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبد الحميد يوسف فى كتابه "مصر فى القرآن والسنة" لدار المعارف 1989م.

أكبر الظن أن إبراهيم جاء الى مصر مع إحدى قبائل البدو تماماً مثل تلك المصورة فى مقبرة (خنم حتب الثانى) بمنطقة بنى حسن ولم يكن قدومه مصر سوى فى عصر إستقرار كعصر الدولة الوسطى لا قبلها فى عصر الثورة والفوضى الإجتماعية الأولى، ولم يكن بعدها فى عصر الهكسوس، بمعنى أن هذه القافلة صورة مصغرة لتخيل الشكل العام الذى عليه حضر أبينا إبراهيم إلى مصر فى رأى أغلب العلماء خلال عصر الدولة الوسطى وربما عصر الشريف (خنم حتب الثانى) نفسه



نستنتج من هذا المنظر بعض الأمور وهى:
1- وجود علاقات رسمية أو دولية طيبة بين مصر وآسيا وبناء عليه تم السماح بدخول قوافل آسيوية من البوابة الشمالية الشرقية (سيناء) خاصة فى عصر الدولة الوسطى التى كانت قد أحكمت مراقبتها وقبضتها على الحدود.
2- أن هذا المنظر يمثل وفداً ربما رسمياً جاء إلى مصر، يعد البدايات الأولى التى تصور دخول فلول الهكسوس إلى أرض مصر عبر سيناء.
3- يساعدنا هذا المنظر فى تحرى وتخيل الشكل العام الذى حضر عليه أو فيما يماثله أبو الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى أرض مصر، وذلك  من حيث شكل الملبس وهيئة الشعر، والأدوات التى يمسكونها ومنها آلة الطنبور التى كان يتم العزف عليها لكسر ملل طول طريق السفر.
4- يوضح المنظر أن الكحل كان أهم ما كان يتم جلبه إلى مصر من آسيا.
5- يوضح مدى إعجاب الشريف "خنم حتب" بمنظر دخول قافلة الأسيويين ولولا أهميته ما وافق الفنان على تصويره على الجدار الشمالى داخل قبره، ويلاحظ أن التصوير جاء على الجدار الشمالى بما يناسب الواقع الجغرافى للأقليم السورى فى الشمال بالنسبة لأرض مصر.

وحتى يحين اللقاء تقبلوا تحياتى
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى

تابعونا على صفحة مصر بيتنا على فيسبوك

وعلى الرابط التالي:








الجمعة، 24 أكتوبر 2014

التضحية البشرية فى مصر القديمـة

التضحية البشرية فى مصر القديمـة
يكتب:
أ.د/ عبد الحميد عزب
استاذ الاثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة طنطا

يذكر البعض أن المصريين القدماء عرفوا ظاهرة التضحية البشرية، وأنهم كانوا يقتلون أحياناً بعض البشر من أجل أغراض طقسية أو دينية، وتم تفسير وجود الجبانات الموجودة حول الأهرامات فى الجيزة وسقارة وأبو صير وغيرها ( التى كانت تضم أجساد العديد من المقربين للملك )،  بأنهم جميعاً تم قتلهم عنوة حتى يرافقونه ويعيشون معه الحياة الأخرى تماماً كما كانوا يشاركونه الحياة الدنيا منذ عصر الأسرة الأولى.

لقد حقق المصرى القديم معانى اللقاء والإلتقاء والرباط الاسرى بكل ماصوره فى نقوش المقابر حيث رسم المتوفى مع زوجاته وأولاده وعبيده وخدامه، وحيواناته، ومروجه، ووسط المنتجات والقرابين وغير ذلك ولم يكن فى حاجة لقتل أحد حتى يرافقه العيش فى العالم الآخر، خاصة إذا علمنا أن القبر يعنى موت، ولم يكن المصرى القديم يعلم أننا سوف نجعل من قبره مكاناً للزيارة بمرور آلاف الأعوام.
يعد استاذى العالم الجليل رحمة الله عليه الاستاذ الدكتور / رشيد الناضورى من أول من تناول هذا الموضوع فى مقال له:
El Nadwry, R., Egypt and negro African                                  

يوضح الدكتور الناضورى أن هناك حالات دفن نادرة يمكن تفسيرها بالقتل عنوة لمرافقة الملك فى حياة الأبدية ( منها حالة واحدة حول هرم خوفو بالجيزة )، وأن هذه الظاهرة أفريقية زنجية خالصة جاءت لمصر وليست متأصلة بها.

إن ما نعرفه حالياً فيما يسمى بعيد وفاء النيل وما ارتبط به من فكرة " عروس النيل " التى يقال أنها عبارة عن طقوس تؤدى جنوب نيل مصر عند المنابع، حيث كان يتم إلقاء فتاة جميلة الوجه، مليحة القد، حسنة الهيئة فى نهاية الطقوس وسط مياه النيل حتى يفيض النيل ويفى مرة أخرى هى فكرة خاطئة ومبالغ فيها، لأن المصرى القديم لم يكن يفعل ذلك وقد كذب " هيردوت " وأساء فهم ما كان يحدث، وهو أن المصرى كان يلقى مجرد دمية أو عروس صغيرة الحجم تمثل إله النيل نفسه وذلك بعد حرق البخور وذبح الأضاحى ضمن طقوس خاصة بوفاء النيل، وتحور الأمر بأنها تضحية بشرية بكل أسف.

إن ما حدث أثناء تولى سيدنا عمرو بن العاص القيادة فى مصر عندما أرسل لخليفة رسول الله سيدنا عمر بن الخطاب قائلاً " من عمرو بن العاص الى خليفة رسول الله ، يقولون أن نيل مصر لن يفى هذا العام لوجود عادة ضرورية وهى إلقاء فتاة جميلة عند منابع النيل فانظر ماذا ترى ؟ ، وهنا رد عليه عمر بن الخطاب قائلاً:
" من خليفة رسول الله إلى نيل مصر، إن كنت تفيض من عندك فلا تفيض، وإن كنت تفيض من عند الله منزل الغيث فأفض، وهنا رد جميل واضح رفض عمر بن الخطاب لهذا كله، وبالفعل فاض النيل بدون عروس أو فداء أو تضحية "، وانتهى مجرد الكلام فى مثل هذا الأمر.

يرتبط هذا الأمر أيضاً بعيد " سد "، او " اليوبيل الثلاثينى "، أو " عيد الديل "، حيث كان ولابد أن يؤدى الملك طقوس توضح مدى تمتعه بالصحة والعافية والقوة البدنية، وكان هذا العيد فى الحقيقة كما هو واضح من مجموعة الملك " نترى غت " ( زوسر ) بسقارة من الأسرة الثالثة يقوم الملك فيه بالهرولة والجرى الطقسى لمدة كبيرة، ويذبح بنفسه الثيران شديدة القوة مما يتطلب شاباً قوياً وليس شخصاً معتل الصحة، كما كان عليه أن يصعد درجات منصة اليوبيل الخاصة بالتتويج والتى توضح بقاياها أنها شديدة الارتفاع ( طبعاً لوكان معتل الصحة ولديه أمراض خشونة المفصل ما تمكن من صعودها )، ويذكر الدكتور رشيد الناضورى أن أصل هذا العيد أفريقى حيث إعتادت القبائل أن تقيم حفلاً كبيراً يحضره القبيلة وكهنتها ويقوم فيه الملك بإثبات مدى شبابيته وقوته وعندما لا يتمكن يقومون بقتله، وإلا فلن تمطر السماء، ولن تنبت الزروع، ولن تنجب النساء، إعتماداً على عقيدة الأفارقة بأن الكون يرتبط بصحة الحاكم، وفى حال عدم قدرة الحاكم على عمل كل هذا يتم قتله وتنصيب أى شخص أى شخص آخر مكانه.

أخيراً أود الإشارة أن الحضارة الأفريقية الزنجية تعرف جيداً بالفعل ظاهرة التضحية البشرية، وليس من الضرورة أن تكون نقلتها عنها الحضارة المصرية القديمة على الرغم من الصلات المصرية الأفريقية الوطيدة.

أود الإشارة أيضاً أن وجود بعض التوابيت الحجرية فى جبانة الجيزة وقد إمتلأت بعدد من الهياكل العظمية أو الجثث ليس له علاقة بموضوع التضحية البشرية حيث يذكر البعض أنهم قتلوا عنوة وتم إغلاق التابوت الحجرى عليهم أحياء، ويمكن تفسير الأمر بأن التابوت استخدم كمعظمة ( مكان لتجميع رفات عظام بعض الجثث )، أو ربما دفن عظام أسرة أراد الكهنة لهم أن يكونوا معاً فى العالم الآخر ويتشاركون فى البعث معاً مرة أخرى، وأن كنت أرجح أن الأمر يرجع لإرتفاع سعر التابوت الحجرى فى ذلك الوقت وليس التضحية البشرية.

لقد كان المصرى القديم إنسان وفنان، وكان محباً للناس والطبيعة من حوله ومن هنا علينا أن نبرأه من معرفته للتضحية البشرية أو القتل عنوة إلا فى حالة الحرب.

حتى يحين اللقاء تقبلوا تحياتى
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى


الأحد، 19 أكتوبر 2014

العدالة الاجتماعية في مصر القديمة

العدالة الاجتماعية في مصر القديمة
يكتب:
د. منال فوزي
مدرس بالمعهد العالي للسياحة والفنادق بالاسكندرية

أقام المصريون نظامهم السياسي على العدالة والنظام  وكان تصورهم لها  تصوراً شاملاً يركز على تحقيق أكبر قدرمن المساواة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي بين البشر ونجحوا في أن يحققوا هذه العدالة بمفهومها الاجتماعى والسياسي وأن يقدموا صورة مثلى لكيفية تحقيق التوازن بين سلطات الدولة المختلفة ، إذ رغم ما يشاع عن أن النظام الملكي المصري القديم كان نظاماً إلهياً مقدساً إلا أنه كان نظاماً مقيداً بتحقيق العدالة والرفاهية للإنسان المصري ومقيداً بالإلتزام بالقوانين والأعراف التى توارثها المصريون جيلاً بعد جيل . لقد أدرك الملوك المصريون أنهم إنما يكتسبون الخلود والمجد بقدر ما يكونون في خدمة الشعب وبقدر ما يحققون من عدالة ورخاء بين مواطنيهم كما بادل الشعب المصري حكامه وملوكه حباً بحب واحتراماً باحترام بقدر ما يحافظ هؤلاء الملوك والحكام على الاستقرار وبقدر ما يوفرونه لهم من ظروف اقتصادية وحريات تسمح لهم بالانجاز والعمل والاستمتاع بالحياة .



إن المصريين القدامى كانوا أول من أدرك أن قيام السلطة السياسية إنما هو بهدف تحقيق العدالة للجميع وان الحكومات تكتسب الاحترام والتقدير بقدر ما تسهر على تنفيذ القوانين وبقدر ما تنجح في تحقيق الاستقرار والعدالة بين المواطنين .إن قوام النظام السياسي في نظرهم هو تحقيق العدالة  ومن ثم فإن إنهياره يكون مرهوناً بالتراخى في تحقيق العدالة  أيضاً .أي أنهم فطنوا إلى علة قيام الدولة وعلة انهيارها وقدموا أبلغ تعبير عرفه التاريخ السياسي القديم عن هذه العلة حينما قالوا أنها تتلخص في تحقيق العدالة والنظام أو في غياب العدالة والنظام .إذن لقد تمحورت فلسفتهم السياسية  حول هذا المفهوم الشامل للعدالة .


وقد أطلق المصريون القدماء في البداية كلمة " ماعت "  لتفيد معنى العدالة والحق ثم أصبحت الكلمة تشمل على توازن العالم كله وتعايش جميع عناصره في انسجام و تماسك وحداته وكان هذا التفاعل بين القوى هو الذي ضمن نظام الكون بدءاً من مكوناته الأساسية  (كالحركات السماوية وانتظام الظواهر الموسمية وتعاقب الزمن وشروق شمس جديدة كل صباح) إلى أقل هذه الظواهر والمجتمع الإنسانى نفسه والعلاقات الودية بين الأحياء والمراعاة الدينية لكل الطرق التى سنها الإله للأشياء واحترامها تلك القواعد التى اشتقت منها عدالة العلاقات الاجتماعية والحياة الخلقية .وعامة تتمثل " ماعت " في هيئة قضائية وأخلاقية أنها ليست معياراً ذهنياً أو معنوياً فإن " ماعت " تهددها دائماً هجمات قوى الشر المعادية ولذا فهى بمثابة طاقة يجب الحفاظ عليها إنها هدف يسعى إليه الملك لتحقيقه عن طريق إصدار القوانين الصالحة والمراسيم الملكية وبالتالى يتطلب ذلك وجود حدود معينة لمجابهة السلطة الملطقة من جانب الملك فبمثل هذه الوسيلة يبقى العالم متطابقاً بالتخطيط الأولى الذي وضعه رب الأرباب عند بدء الخليقة ، ومن هذا المنطلق كانت ممارسة ماعت مكفولة للبشر وعلى رأسهم الملك فإن ماعت تعتبر قيمة عامة إنها ليست قانوناً دينياً واضحاً وهذا ما يبرر التباين في التأويل من عهد لآخر لهذا المفهوم الواسع المدى تبعاً للضرورات السياسية واختلاف شخصيات الملوك بعضها بعضاً ووفقاً لتطلعاتهم المعنوية ، أيضاً  جملة القول إن ممارسة ماعت تنبعث من قلب التجربة البشرية وليس من داخل الإمتثال للتعاليم الالهية وإطاعتها ، إن ماعت التى كان يمجدها الملك أمنمحات الأول الذي أعاد تنظيم أقاليم مصر عند فجر الدولة الوسطى تختلف عن ماعت التى كان يفضلها الملك أمنحتب الرابع لقد كانت تتناغم مع الطبيعة وتختلف عن مجرى الأمور التى وضعها خليفته الملك توت عنخ امون بعد أن إستعاد القمة إثر انحسار الضوء عن العمارنة .
وإلى لقاء قريب تقبلوا تحياتي