مصر بيتنا

مصر بيتنا

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

ملاحظات على منظر دخول الأسيويين مصر فى مقبرة (خنوم حتب)

ملاحظات على منظر دخول الأسيويين مصر فى مقبرة (خنوم حتب)
يكتب:
أ.د عبدالحميد عزب
أستاذ الاثار والحضارة المصرية القديمة

يعد منظر تصوير الأسيويين على الجدار الشمالى من مقبرة (خنوم حتب الثانى) فى منطقة مقابر بنى حسن الشروق بالمنيا التى كانت تتبع الأقليم السادس عشر من أقاليم الوجه القبلى فى مصر القديمة من أهم الأدلة الآثرية المتاحة التى تعود الى عصر الدولة الوسطى والتى يمكن لأى باحث أن يستدل منها على أمور تاريخية وحضارية معينة.

يمثل المنظر قافلة أو قبيلة من سبعة وثلاثين شخصاً مابين رجال ونساء وأطفال، يتقدمهم رئيسهم كما كتب أمام رأسه بالمصرية "حكا خاست" بمعنى " حاكم البلد الأجنبى "والتى أصبحت فيما بعد فى صيغة الجمع "حكاو خاسوت" بمعنى "حكام البلدان الأجنبية" أو "الهكسوس"ويعتبر هذا المنظر مستنداً واضحاً يمثل بدايات دخولهم وتسلطهم على حكم مصر بصورة تدريجية ثم أصبحت غالبة وطاغية فيما بعد عصر الدولة الوسطى.

إعتمد البعض على شكل ملابسهم المبرقشة بخطوط أو مربعات رأسية أو طولية بأنهم من الأموريين (الشعب السامى الأول الذى هاجر من نجد فى قلب الجزيرة العربية إلى الأقليم السورى) ولكن هذا الرأى غير مقبول لعدم تقديم شروح تفسر وتؤكد ذلك.

لقد أقبلت قافلة الأسيويين إلى مصر كما يوضح النص هنا من أجل جلب الكحل (مسجمت) يقول النص:
"الكحل الذى جلب من أجله (بواسطة) سبعة وثلاثين من العامو (الآسيويين) "لقد حمل أحدهم آلة موسيقية وترية وهى الطنبور (صورة مصغرة من الجنك الكتفى) والبعض الآخر حمل الأقواس والسهام وبدون شك فإن  لحاهم الكثيفة وشكل الشعر على الرءوس يدل على أصلهم الآسيوى.


أبينا إبراهـيم وعصر الدولة الوسطى:

لقد جاء أبينا ابراهيم إلى مصر على الأرجح خلال عصر الدولة الوسطى من حيث كان يقيم فى أرض فلسطين يطلب فيها الزاد والرغد والباحة فى العيش من بلاد ضربها القحط والجفاف كما يقول المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد عبد الحميد يوسف فى كتابه "مصر فى القرآن والسنة" لدار المعارف 1989م.

أكبر الظن أن إبراهيم جاء الى مصر مع إحدى قبائل البدو تماماً مثل تلك المصورة فى مقبرة (خنم حتب الثانى) بمنطقة بنى حسن ولم يكن قدومه مصر سوى فى عصر إستقرار كعصر الدولة الوسطى لا قبلها فى عصر الثورة والفوضى الإجتماعية الأولى، ولم يكن بعدها فى عصر الهكسوس، بمعنى أن هذه القافلة صورة مصغرة لتخيل الشكل العام الذى عليه حضر أبينا إبراهيم إلى مصر فى رأى أغلب العلماء خلال عصر الدولة الوسطى وربما عصر الشريف (خنم حتب الثانى) نفسه



نستنتج من هذا المنظر بعض الأمور وهى:
1- وجود علاقات رسمية أو دولية طيبة بين مصر وآسيا وبناء عليه تم السماح بدخول قوافل آسيوية من البوابة الشمالية الشرقية (سيناء) خاصة فى عصر الدولة الوسطى التى كانت قد أحكمت مراقبتها وقبضتها على الحدود.
2- أن هذا المنظر يمثل وفداً ربما رسمياً جاء إلى مصر، يعد البدايات الأولى التى تصور دخول فلول الهكسوس إلى أرض مصر عبر سيناء.
3- يساعدنا هذا المنظر فى تحرى وتخيل الشكل العام الذى حضر عليه أو فيما يماثله أبو الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى أرض مصر، وذلك  من حيث شكل الملبس وهيئة الشعر، والأدوات التى يمسكونها ومنها آلة الطنبور التى كان يتم العزف عليها لكسر ملل طول طريق السفر.
4- يوضح المنظر أن الكحل كان أهم ما كان يتم جلبه إلى مصر من آسيا.
5- يوضح مدى إعجاب الشريف "خنم حتب" بمنظر دخول قافلة الأسيويين ولولا أهميته ما وافق الفنان على تصويره على الجدار الشمالى داخل قبره، ويلاحظ أن التصوير جاء على الجدار الشمالى بما يناسب الواقع الجغرافى للأقليم السورى فى الشمال بالنسبة لأرض مصر.

وحتى يحين اللقاء تقبلوا تحياتى
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى

تابعونا على صفحة مصر بيتنا على فيسبوك

وعلى الرابط التالي:








الجمعة، 24 أكتوبر 2014

التضحية البشرية فى مصر القديمـة

التضحية البشرية فى مصر القديمـة
يكتب:
أ.د/ عبد الحميد عزب
استاذ الاثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة طنطا

يذكر البعض أن المصريين القدماء عرفوا ظاهرة التضحية البشرية، وأنهم كانوا يقتلون أحياناً بعض البشر من أجل أغراض طقسية أو دينية، وتم تفسير وجود الجبانات الموجودة حول الأهرامات فى الجيزة وسقارة وأبو صير وغيرها ( التى كانت تضم أجساد العديد من المقربين للملك )،  بأنهم جميعاً تم قتلهم عنوة حتى يرافقونه ويعيشون معه الحياة الأخرى تماماً كما كانوا يشاركونه الحياة الدنيا منذ عصر الأسرة الأولى.

لقد حقق المصرى القديم معانى اللقاء والإلتقاء والرباط الاسرى بكل ماصوره فى نقوش المقابر حيث رسم المتوفى مع زوجاته وأولاده وعبيده وخدامه، وحيواناته، ومروجه، ووسط المنتجات والقرابين وغير ذلك ولم يكن فى حاجة لقتل أحد حتى يرافقه العيش فى العالم الآخر، خاصة إذا علمنا أن القبر يعنى موت، ولم يكن المصرى القديم يعلم أننا سوف نجعل من قبره مكاناً للزيارة بمرور آلاف الأعوام.
يعد استاذى العالم الجليل رحمة الله عليه الاستاذ الدكتور / رشيد الناضورى من أول من تناول هذا الموضوع فى مقال له:
El Nadwry, R., Egypt and negro African                                  

يوضح الدكتور الناضورى أن هناك حالات دفن نادرة يمكن تفسيرها بالقتل عنوة لمرافقة الملك فى حياة الأبدية ( منها حالة واحدة حول هرم خوفو بالجيزة )، وأن هذه الظاهرة أفريقية زنجية خالصة جاءت لمصر وليست متأصلة بها.

إن ما نعرفه حالياً فيما يسمى بعيد وفاء النيل وما ارتبط به من فكرة " عروس النيل " التى يقال أنها عبارة عن طقوس تؤدى جنوب نيل مصر عند المنابع، حيث كان يتم إلقاء فتاة جميلة الوجه، مليحة القد، حسنة الهيئة فى نهاية الطقوس وسط مياه النيل حتى يفيض النيل ويفى مرة أخرى هى فكرة خاطئة ومبالغ فيها، لأن المصرى القديم لم يكن يفعل ذلك وقد كذب " هيردوت " وأساء فهم ما كان يحدث، وهو أن المصرى كان يلقى مجرد دمية أو عروس صغيرة الحجم تمثل إله النيل نفسه وذلك بعد حرق البخور وذبح الأضاحى ضمن طقوس خاصة بوفاء النيل، وتحور الأمر بأنها تضحية بشرية بكل أسف.

إن ما حدث أثناء تولى سيدنا عمرو بن العاص القيادة فى مصر عندما أرسل لخليفة رسول الله سيدنا عمر بن الخطاب قائلاً " من عمرو بن العاص الى خليفة رسول الله ، يقولون أن نيل مصر لن يفى هذا العام لوجود عادة ضرورية وهى إلقاء فتاة جميلة عند منابع النيل فانظر ماذا ترى ؟ ، وهنا رد عليه عمر بن الخطاب قائلاً:
" من خليفة رسول الله إلى نيل مصر، إن كنت تفيض من عندك فلا تفيض، وإن كنت تفيض من عند الله منزل الغيث فأفض، وهنا رد جميل واضح رفض عمر بن الخطاب لهذا كله، وبالفعل فاض النيل بدون عروس أو فداء أو تضحية "، وانتهى مجرد الكلام فى مثل هذا الأمر.

يرتبط هذا الأمر أيضاً بعيد " سد "، او " اليوبيل الثلاثينى "، أو " عيد الديل "، حيث كان ولابد أن يؤدى الملك طقوس توضح مدى تمتعه بالصحة والعافية والقوة البدنية، وكان هذا العيد فى الحقيقة كما هو واضح من مجموعة الملك " نترى غت " ( زوسر ) بسقارة من الأسرة الثالثة يقوم الملك فيه بالهرولة والجرى الطقسى لمدة كبيرة، ويذبح بنفسه الثيران شديدة القوة مما يتطلب شاباً قوياً وليس شخصاً معتل الصحة، كما كان عليه أن يصعد درجات منصة اليوبيل الخاصة بالتتويج والتى توضح بقاياها أنها شديدة الارتفاع ( طبعاً لوكان معتل الصحة ولديه أمراض خشونة المفصل ما تمكن من صعودها )، ويذكر الدكتور رشيد الناضورى أن أصل هذا العيد أفريقى حيث إعتادت القبائل أن تقيم حفلاً كبيراً يحضره القبيلة وكهنتها ويقوم فيه الملك بإثبات مدى شبابيته وقوته وعندما لا يتمكن يقومون بقتله، وإلا فلن تمطر السماء، ولن تنبت الزروع، ولن تنجب النساء، إعتماداً على عقيدة الأفارقة بأن الكون يرتبط بصحة الحاكم، وفى حال عدم قدرة الحاكم على عمل كل هذا يتم قتله وتنصيب أى شخص أى شخص آخر مكانه.

أخيراً أود الإشارة أن الحضارة الأفريقية الزنجية تعرف جيداً بالفعل ظاهرة التضحية البشرية، وليس من الضرورة أن تكون نقلتها عنها الحضارة المصرية القديمة على الرغم من الصلات المصرية الأفريقية الوطيدة.

أود الإشارة أيضاً أن وجود بعض التوابيت الحجرية فى جبانة الجيزة وقد إمتلأت بعدد من الهياكل العظمية أو الجثث ليس له علاقة بموضوع التضحية البشرية حيث يذكر البعض أنهم قتلوا عنوة وتم إغلاق التابوت الحجرى عليهم أحياء، ويمكن تفسير الأمر بأن التابوت استخدم كمعظمة ( مكان لتجميع رفات عظام بعض الجثث )، أو ربما دفن عظام أسرة أراد الكهنة لهم أن يكونوا معاً فى العالم الآخر ويتشاركون فى البعث معاً مرة أخرى، وأن كنت أرجح أن الأمر يرجع لإرتفاع سعر التابوت الحجرى فى ذلك الوقت وليس التضحية البشرية.

لقد كان المصرى القديم إنسان وفنان، وكان محباً للناس والطبيعة من حوله ومن هنا علينا أن نبرأه من معرفته للتضحية البشرية أو القتل عنوة إلا فى حالة الحرب.

حتى يحين اللقاء تقبلوا تحياتى
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى


الأحد، 19 أكتوبر 2014

العدالة الاجتماعية في مصر القديمة

العدالة الاجتماعية في مصر القديمة
يكتب:
د. منال فوزي
مدرس بالمعهد العالي للسياحة والفنادق بالاسكندرية

أقام المصريون نظامهم السياسي على العدالة والنظام  وكان تصورهم لها  تصوراً شاملاً يركز على تحقيق أكبر قدرمن المساواة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي بين البشر ونجحوا في أن يحققوا هذه العدالة بمفهومها الاجتماعى والسياسي وأن يقدموا صورة مثلى لكيفية تحقيق التوازن بين سلطات الدولة المختلفة ، إذ رغم ما يشاع عن أن النظام الملكي المصري القديم كان نظاماً إلهياً مقدساً إلا أنه كان نظاماً مقيداً بتحقيق العدالة والرفاهية للإنسان المصري ومقيداً بالإلتزام بالقوانين والأعراف التى توارثها المصريون جيلاً بعد جيل . لقد أدرك الملوك المصريون أنهم إنما يكتسبون الخلود والمجد بقدر ما يكونون في خدمة الشعب وبقدر ما يحققون من عدالة ورخاء بين مواطنيهم كما بادل الشعب المصري حكامه وملوكه حباً بحب واحتراماً باحترام بقدر ما يحافظ هؤلاء الملوك والحكام على الاستقرار وبقدر ما يوفرونه لهم من ظروف اقتصادية وحريات تسمح لهم بالانجاز والعمل والاستمتاع بالحياة .



إن المصريين القدامى كانوا أول من أدرك أن قيام السلطة السياسية إنما هو بهدف تحقيق العدالة للجميع وان الحكومات تكتسب الاحترام والتقدير بقدر ما تسهر على تنفيذ القوانين وبقدر ما تنجح في تحقيق الاستقرار والعدالة بين المواطنين .إن قوام النظام السياسي في نظرهم هو تحقيق العدالة  ومن ثم فإن إنهياره يكون مرهوناً بالتراخى في تحقيق العدالة  أيضاً .أي أنهم فطنوا إلى علة قيام الدولة وعلة انهيارها وقدموا أبلغ تعبير عرفه التاريخ السياسي القديم عن هذه العلة حينما قالوا أنها تتلخص في تحقيق العدالة والنظام أو في غياب العدالة والنظام .إذن لقد تمحورت فلسفتهم السياسية  حول هذا المفهوم الشامل للعدالة .


وقد أطلق المصريون القدماء في البداية كلمة " ماعت "  لتفيد معنى العدالة والحق ثم أصبحت الكلمة تشمل على توازن العالم كله وتعايش جميع عناصره في انسجام و تماسك وحداته وكان هذا التفاعل بين القوى هو الذي ضمن نظام الكون بدءاً من مكوناته الأساسية  (كالحركات السماوية وانتظام الظواهر الموسمية وتعاقب الزمن وشروق شمس جديدة كل صباح) إلى أقل هذه الظواهر والمجتمع الإنسانى نفسه والعلاقات الودية بين الأحياء والمراعاة الدينية لكل الطرق التى سنها الإله للأشياء واحترامها تلك القواعد التى اشتقت منها عدالة العلاقات الاجتماعية والحياة الخلقية .وعامة تتمثل " ماعت " في هيئة قضائية وأخلاقية أنها ليست معياراً ذهنياً أو معنوياً فإن " ماعت " تهددها دائماً هجمات قوى الشر المعادية ولذا فهى بمثابة طاقة يجب الحفاظ عليها إنها هدف يسعى إليه الملك لتحقيقه عن طريق إصدار القوانين الصالحة والمراسيم الملكية وبالتالى يتطلب ذلك وجود حدود معينة لمجابهة السلطة الملطقة من جانب الملك فبمثل هذه الوسيلة يبقى العالم متطابقاً بالتخطيط الأولى الذي وضعه رب الأرباب عند بدء الخليقة ، ومن هذا المنطلق كانت ممارسة ماعت مكفولة للبشر وعلى رأسهم الملك فإن ماعت تعتبر قيمة عامة إنها ليست قانوناً دينياً واضحاً وهذا ما يبرر التباين في التأويل من عهد لآخر لهذا المفهوم الواسع المدى تبعاً للضرورات السياسية واختلاف شخصيات الملوك بعضها بعضاً ووفقاً لتطلعاتهم المعنوية ، أيضاً  جملة القول إن ممارسة ماعت تنبعث من قلب التجربة البشرية وليس من داخل الإمتثال للتعاليم الالهية وإطاعتها ، إن ماعت التى كان يمجدها الملك أمنمحات الأول الذي أعاد تنظيم أقاليم مصر عند فجر الدولة الوسطى تختلف عن ماعت التى كان يفضلها الملك أمنحتب الرابع لقد كانت تتناغم مع الطبيعة وتختلف عن مجرى الأمور التى وضعها خليفته الملك توت عنخ امون بعد أن إستعاد القمة إثر انحسار الضوء عن العمارنة .
وإلى لقاء قريب تقبلوا تحياتي 


الجمعة، 17 أكتوبر 2014

السقف المتدرج فى العمارة المصرية القديمة

السقف المتدرج فى العمارة المصرية القديمة
 يكتب :
أ.د / عبدالحميد عزب
استاذ الآثار والحضارة المصرية بجامعة طنطا

تتميز العمارة المصرية القديمة بالكثير من الخصائص التى ميزتها عن غيرها من عمائر شعوب الشرق الأدنى القديم، وكان صمودها وبقائها أهم مزاياها، ويعد السقف المتدرج فى أعلى حجرات الدفن بداخل الأهرامات المصرية، وغرف دفن الملوك المصريين أهم ما يسترعى الانتباه فى العمارة المصرية القديمة.

يعد سقف غرفة دفن هرم ميـدوم فى محافظة بنى سويف أقدم مايمثل ظاهرة السقف المتدرج، أو كما يسميها العرب السقف المصندق ( ظاهرة الصنـدقة ) أو Corbelled roof 


يطلق المعماريون على هذه الظاهرة ايضاً " ظاهرة الكربلة " التى استمرت فيما بعد ذلك من عصور وكان الغرض الأساسى منها هو تخفيف الضغط عن حجرة الدفن الملكية حتى تصمد ولا تنهار على مر الزمان.
يمكن تتبع وحصر نماذج هذه الظاهرة المعمارية داخل حجرات دفن ملوك الدولة القديمة فيما بعد عصر الملك حو ( حونى ) صاحب هرم ميدوم بمحافظة بنى سويف على النحو التالى:
1- الهرم الشمالى بدهشور ( الهرم الأحمر )، وبناه الملك سنفرو، ويحتوى على ثلاث حجرات ذات أسقف متدرجة أو مصندقة.
2- الهرم الجنوبى ( المنكسر أو المنحنى ) أيضاً بدهشور، وبناه كذلك الملك الأب سنفرو من بداية الأسرة الرابعة وتشتمل أسقف حجرات الدفن هنا أيضاً على ظاهرة السقف المتدرج.


يلاحظ قمة الإبداع فى تنفيذ هذه الظاهرة المعمارية الفريدة والمتميزة داخل البهو الأكبر الصاعد الذى يؤدى فى النهاية لحجرة دفن الملك خوفو بالهرم الأكبر، ويعد هذا البهو أعظم ما يمثل ظاهرة السقف المتدرج فى العمارة المصرية القديمة ويبلغ طوله حوالى 47 متراً، وإرتفاعه حوالى ثمانية أمتار ونصف المتر، حيث يلاحظ أن المعمار المصرى كان يقوم بوضع مدماك أو صف من الأحجار فى محور واحد، ثم يدخل بالمدماك الثانى من الأحجار جهة الداخل، ثم يدخل بالصف التالى بنفس القيمة حتى يلتقى الجدارين فى صورة جمالونية عند أعلى قمة السقف، وهذا الاسلوب لا يختلف كثيراً عن الخمس غرف الخاصة بتخفيف الضغط أو الوزن الموجودة بأعلى غرفة دفن الملك خوفو داخل الهرم الأكبر بجبانة الجيزة.

بعد هذا العرض المختصر يمكن قول:
1- أن هذه الظاهرة بدأت مع النصف الثانى من عصر الأسرة الثالثة، وكان أفضلها ما وجد أعلى غرفة دفن الملك حونى داخل هرمه بمنطقة ميدوم فى بنى سويف.
2- أنها تعد من إبداعات فن العمارة المصرية القديمة، وكان دورها هو عدم سقوط السقف أمام كتلة الهرم الصخرية شديدة الحمل، وبالتالى توزيع الضغط أو الأحمال على جنبات البناء.
3- إرتبطت بعصر بناة الأهرام وقمتها.
4- يعتبر سقف البهو الكبير داخل هرم خوفو من الأسرة الرابعة أفضل ما يمثل هذه الظاهرة الفريدة.
5- تكاد تختفى هذه الظاهرة مع مضى عصر الأسرة الرابعة إلا من القليل منها فى بعض الأحيان.
فى النهاية أود أن أقول أنه من المستبعد أن تكون هى أصل ظاهرة العقود التى سوف تظهر فيما بعد فى العصرين البيزنطى والاسلامى.
حتى نلتقى بمشيئة الله تقبلوا تحياتى

مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتي

السبت، 11 أكتوبر 2014

سمات الأدب المصري القديم

سمات الأدب المصرى القديم
يكتب:
أ.د. عبد الحميد عزب
استاذ الآثار والحضارة المصرية بجامعة طنطا

ترك المصرى القديم لنا آثار أدبية رائعة القيمة، مسطورة على الأحجار وأوراق البردى وغيرها وكلها تدل على أن المصريين القدماء كانوا شعباً عظيم الثقافة رفيع الأدب بالإضافة لكونه شعباً متديناً... وضع المصرى القديم الأسس الأولى للأدب والفن منذ عشرون قرناً قبل ميلاد المسيح عليه السلام، ولقد تناول بعض العلماء المحدثون هذه النصوص الأدبية بالترجمة والشرح والتعليق حتى يمكن لمختلف شعوب العالم تفهم الحياة الأدبية والفكرية للمصرى القديم.



ويتضح من مختلف الدراسات أن الأدب المصرى القديم يتسم بسمات محددة هى:
1- أن أى ترجمة أو تفسير لتلك النصوص الأدبية لن تبلغ من نفس القارئ المعاصر ما كانت تؤثر به فى نفوس كتابها القدامى الذين دونوها وتذوقوها بنفوسهم، وهذا ما نلمسه حين نقوم بترجمة بعض النصوص فلا نجيد ترجمتها أو التعرف على المعنى المقصود تماماً، وهذا يعود لإختلاف الثقافة والذوق والزمان.
2- الأدب مرآة لعصره، فمن خلال نصوصه يمكن التعرف على الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها فى مصر القديمة .
3- أصالة التراث الأدبى المصرى، فلقد نشأ على أرضنا الحبيب وجاء وليداً لظروف الشعب المصرى ومعبراً عن مشاعره من الحزن و الفرح أو كيلاهما معاً، ونتاجاً للتجارب الإنسانية المحلية ... من الواضح أن الأدب المصرى ربما لم يأخذ عن غيره على الأرجح، وإنما وضع الأسس التى اهتدى بها الأدب عند معظم شعوب منطقة الشرق الأدنى القديم مثل الأموريين والكنعانيين والآراميين والعبرانيين ومن بعدهم الإغريق... كانت الأيدى المصرية سابقة فى هذا المجال، ويلاحظ أن الأدب المصرى عندما أخذ فى التدهور فى العصور المتأخرة فإنه ترك المسرح الأدبى للأدب اليونانى كامتداد له.
4- كان الأدب المصرى هادفاً ومرشداً ، موجهاً ومحذراً ومتفلسفاً يقص القصص وينهى عن سوء الأعمال ويضرب الأمثال، فهو لا يرمى إلى التسلية إلا نادراً، ولعل هذا كله يمكن إعتباره بمثابة تمهيد أولى لمل سوف تأتى به الكتب السماوية فيما بعد ذلك من نهى عن المنكر وسوء الأعمال، والحث على حسن المعاملة، واسلوب تناول الطعام، وكيفية إختيار الزوجة.
5- يلاحظ صلة الأدب الواضحة بالديانة المصرية، ولا يفوتنا أن الحضارة المصرية وتراثها كما قلت فى المقال السابق قامت فى أصلها على العقيدة.
6- يتميز الأدب المصرى بالبساطة والوضوح والواقعية والاتزان إلى حد كبير.


7- تأثر الأدب المصرى القديم بطبيعة مصر المستقرة الهادئة ونظامها الزراعى وشمسها المشرقة ونيلها البديع، إنها بدون شك كما ذكر الكاتب جمال حمدان فى كتابه عن شخصية مصر "عبقرية المكان والزمان "، خاصة وأنه لا يمكنا نسيان ما ذكره الكاتب "هيردوت" فى "ان مصر هبة النيل" وإن كنت دائماً أختلف معه فى "أن النيل هبة مصر من الله" فالمصرى مبدع حتى إن إشتدت وقست معه البيئة أو طبيعة الأرض.
8- مر الأدب المصرى بمرحلتين رئيستين هما:

أ- الأدب المصرى فى العصر القديم.
تميز الأدب فى هذه المرحلة التى إمتدت عبر الدولتين القديمة والوسطى، وفيما بينهما عصر الإنتقال الأول بالمحسنات اللفظية وتجميل الكلمة واللفظ، وبكل أسف فقدنا الكثير من أدب هذه المرحلة ولم يتم العثور إلا على نماذج أو كتب من الأمثال والتأملات والتعاليم المدرسية، ولقد بلغ المصرى القديم غايته خلال عصر الأسرة الخامسة حيث نلمس ذلك ضمن نصائح الحكيم " بتاح – حتب "، وأيضاً من خلال دراستنا لنصوص الأهرام وغيرها.

ب – الأدب المصرى القديم فى العصر الحديث.
تمتاز هذه المرحلة بالاسلوب العامى أو لغة العوام، وهذا ما نلمسه فى عصر " أخناتون " عاشر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، حيث كتبت التسابيح والنصوص الشعرية بمثل هذه اللهجة أو العامية، بينما نلاحظ كتابة النصوص الأدبية خلال عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين بالمصرية الحديثة :
New kingdom language texts
هذا أدى إلى أن النصوص أصبحت أكثر مرونة وحيوية وجمال وذلك بدوره يرجع إلى إنفتاح المصريين القدماء فى ذلك الوقت على المجتمع الدولى، وأيضاً تغير حالتهم المزاجية وحبهم لحياة وعيش هذا الزمان، وكما يذكر سليم حسن، أنهم ذاقوا حلاوة الحياة فى هذا العصر وشاهدوا الدنيا بعين الرضا مما جعلهم يشغفون بها ويعشقونها.


يمكن تقسيم الأدب المصرى إلى أربعة أقسام وهى :
 أولاً : الأدب القصصى : مثل قصص "خوفو مع السحرة" و"الملاح الغريق" و"الأخوين" و "سنوهى" و"الفلاح الفصيح" وغيرها .
ثانياً : أدب الحكم والأمثال : ونذكر هنا تعليم ونصائح الحكيم "بتاح – حتب"، و "آنى"، و "كاجمنى" وغيرهم.
ثالثاً :- الأدب الدينى والأسطورى : ونذكر منها أسطورة هلاك البشر، والصراع بين حور وست (الخير والشر) وغيرها.
رابعاً : أدب الأناشيد والشعر : مثل الأغانى القديمة، وأناشيد إخناتون وغيرها.
جاء الأدب المصرى متميزاً عن غيره من الآداب القديمة، وكان بطبيعة الحال نتاج لموقع مصر المتميز وسط ملتقى قارات وحضارات ومؤثرات العالم القديم، فهى دائماً مصر مقصد الأنبياء، إليها جاء إبراهيم عليه السلام، وعلى أرضها كلم الله موسى تكليماً، وأقبل عليها اليسوع وأمه العذراء، ثم أصبحت معقل الإسلام والمسلمين.

والى لقاء قريب، مع تحياتى الى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى

الجمعة، 3 أكتوبر 2014

الفيلم التسجيلي قصة حرب 6 اكتوبر 1973 - ج1

في ذكرى انتصار اكتوبر المجيد
أحد ايام العزه للامة المصرية
نعرض لكم الجزء الاول من فيلم 
قصة حرب 6 اكتوبر 1973
وكل سنه وانتم طيبين




الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

معارك حاسمات – الجزء الرابع


معارك حاسمات – ج4
يكتب:
محمود فرحات
باحث في علم المصريات ، عضو جمعية الاثار

في حياة الامم والشعوب ايام خالدات وفي حياة الأمة المصرية ايام مشرفة لشعبها وجيشها العظيم

معركة قادش

اسس تحتمس الثالث الامبراطورية الاولى والتي بلغت حدودها من جنوب تركيا وساحل الفرات شمالا حتى نباتا عاصمة بلاد النوبة العليا جنوبا بالاضافة لعدد من جزر البحر المتوسط دخلت ضمن مملكة مصر بفضل جيش واسطول مصر القويان

ولكن ذلك الحال لم يدوم طويلاً فقد تولى الحكم رجلاً اضاع هيبة مصر ومابناه اجداده وضحى في سبيلة ابناء وطنة فقد كان اخناتون مشغولاً بنشر دينه الجديد وتخبرنا رسائل العمارنه ان ممالك اسيا التي كانت ما تزال على ولائها لمصر ظلت تنادي ملك مصر وتتوسل اليه حمايتها او ارسال حامية من جيش مصر ولكن ملك مصر كان يتعبد ولم يهتم بما يخبئه القدر لمصر



ورغم محاولات حور محب ورعمسيس الاول وسيتس الاول بعد مقتل اخناتون لاعادة التوازن واستعادة هيمنه مصر على ممالك الشرق اتقاء لشرها الا ان ملوك وامراء اسيا كانوا قد ايقنوا ان مصر لم تعد بتلك القوة التي كانت عليها ايام تحتمس الثالث فكانت المؤامرة التي كان يتزعمها (موتلي) ملك (خيتا- بلاد الحيثين)

لم يحظى ملك من ملوك مصر بشهرة مثل الملك رعمسيس الثاني فهو أشهر ملوكها على الإطلاق، وهومؤسس الإمبراطورية الثانية في تاريخ مصر القديمة
فقد حكم رعمسيس الثاني خلفا لوالدة الملك سيتي الاول والذي كان قد عقد معاهدة سلام مع ملك (خيتا- الحيثين) ولم ينقض هذه المعاهدة رعمسيس عند توليه السلطة، فقد اهتم رعمسيس الثاني في بدايه عهد بانها جميع الاعمال المعمارية التي بدأها والده في ابيدوس والكرنك والقرنه..

ثم كانت الخطوة الثانية التي شغلت رعمسيس الثاني هى استغلال مناجم الصحراء، ولكن وفجأة وفي عام حكمة الرابع اصطدم بمملكة (خيتا) ولا ندري ما هو السبب وراء ذلك الصدام المبكر فربما كانت حملته لشمال سوريا هو توطيد سلطة مصر في تلك البقاع والاطمئنان على حاميات الموانئ وخطوط المواصلات
ثم في عام حكمة الخامس قاد حملة اخرى لشمال سوريا وتقدم بها ليسحق جيوش (خيتا)التي ألبت سكان سوريا للثورة على الحكم المصري وتجمع المتآمرين في قادش تلك المدينة المنيعة

لم يترك موتلي ملك خيتا اي وسيلة لمقاتله المصريين الا وسلكها فقد قام بتحريض الامارات الشمالية على التخلص من حكم المصريين والثورة على مصر وقد استخدم في ذلك الوعد والوعيد
جمع موتلي جنود كثيرة من المرتزقه من الامارات والشعوب التي انضمت الى حلفه لمقاتلة مصر حتى ان جنود من جزر بحر ايجة انضمت الى الحلف كل ذلك بجانب جيش بلاده وتقدم بهم نحو المدينة المحصنه قادش التي كان المصريين يحرصون ان تظل في قبضتهم لموقعها الاستراتيجي والهام

خرج رمسيس الثاني على رأس جيش كبير مكون من اربعة فيالق (فيلق امون- فيلق رع- فيلق بتاح- فيلق ست) وانضمت الية مملكة الاموريين وفرقة تدعى (نعرين) او (الصاعقة) وسيكون لها دور كبير في المعركة وحسمها كما سنرى


اتخذ رعمسيس الثاني وجيشة طريق الحربي القديم الذي سلكة من قبل آبائة وأجدادة في حملاتهم على سوريا في الماضي حتى وصل الى شمال بيروت حيث ترك لوحة تؤكد سيطرته على تلك البلاد عند نهر الكلب مؤرخة بالعام اخامس من حكمه
ثم اجة رعمسيس الثاني الى وادي نهر العاصي حيث استطاع الجنود المصريين اسقاط اثنين من جواسيس موتلي وبضربهما واستجوابهما عرفا منهما مكان تمركز الجيش الحيثي وحلفاؤه ولكن اتضح فيما بعد ان هذان الجسوسان كانا يضللان الجيش المصري، حيث ان موتلي قرر ان يعسكر خلف مدينة قادش ويوحي للجيش المصري بانه يفر من امامه وهكذا خدع رعمسيس الثاني وقرر عبور نهر العاصي قبل ان يكتمل تجمع الجيش المصري ظناً منه انه سيفرق جيش الحيثين الخائف
وبعد عبور فيلق امون وعند عبور فيلق رع للنهر هاجم الحيثين الجيش المصري وحاصروة واصبح الملك في مرمى سهام الاعداء، وفر الجنود المصريين من فيلقي أمون ورع وتشتتوا

ووسط المعركة انشد رعمسيس الثاني يترجى ربه ان ينقذه فقال:
ليس معي جندي ولا قائد.
مشاتي وقوات المركبات هجروني.
يا آمون العظيم..
لست الأب الذي يتخلى عن ابنه البار.
لقد حافظت على كل تعاليمك ونصائحك.
إنك لن تسمح لأجنبي بالاقتراب من سيد طيبة العظيم.
من هم هؤلاء الآسيويون بالنسبة لك؟
رجال أشرار لا يعرفون الله.
ألم أشيد من أجلك العديد من العمائر"المعابد"
إني أناديك يا أبي: أيا آمون في عُلاك.
إني وسط أعداء لا أعرفهم.
كل هذه البلدان تجمعت ضدي وجيوشي هجرتني.
لكني أناديك أيا آمون.
يا من أنت الأفضل..
من عشر ملايين جندي.
يا من أنت الأقوى..
من مئات آلاف من المركبات الحربية.
يا من أنت الأبرك..
من آلاف الإخوة والأبناء والأقارب وأهل البلاد.


وفي تلك اللحظات كانت النجدة كما تقص علينا المصادر المصرية فلحق بالجيش فيلقي بتاح وست كما لحقت بالجيش فرقة من الشباب الفلسطنين المجندين بالجيش المصري والمدربين تدريب عالي تدعى (نعرين) واجتمع لجيش مصر قوته من جديد وصد هجوم الحيثين الذين انسحبوا ليلاقوا جيش مصر في اليوم التالي دون تحقيق نصر حاسم من كلا الفريقين.
تمخض عن هذه المعركة اول معاهدة سلام في التاريخ في عام 1270ق.م

حقاً إنها تضحيات كثير بذلها اجدادنا لنحيا على هذه الارض في سلام.. فذهبوا هم لخلودهم.. وبيقنا نحن لنحمل اللواء...
والى اللقاء في الجزء الخامس، دمتم مصريين

21 توت 6256 الموافق 01 أكتوبر 2014