العدالة الاجتماعية في مصر القديمة
يكتب:
د. منال فوزي
مدرس بالمعهد العالي للسياحة والفنادق بالاسكندرية

إن
المصريين القدامى كانوا أول من أدرك أن قيام السلطة السياسية إنما هو بهدف تحقيق
العدالة للجميع وان الحكومات تكتسب الاحترام والتقدير بقدر ما تسهر على تنفيذ
القوانين وبقدر ما تنجح في تحقيق الاستقرار والعدالة بين المواطنين .إن قوام
النظام السياسي في نظرهم هو تحقيق العدالة
ومن ثم فإن إنهياره يكون مرهوناً بالتراخى في تحقيق العدالة أيضاً .أي أنهم فطنوا إلى علة قيام الدولة وعلة
انهيارها وقدموا أبلغ تعبير عرفه التاريخ السياسي القديم عن هذه العلة حينما قالوا
أنها تتلخص في تحقيق العدالة والنظام أو في غياب العدالة والنظام .إذن لقد تمحورت
فلسفتهم السياسية حول هذا المفهوم الشامل
للعدالة .
وقد
أطلق المصريون القدماء في البداية كلمة " ماعت " لتفيد معنى العدالة والحق ثم أصبحت الكلمة تشمل
على توازن العالم كله وتعايش جميع عناصره في انسجام و تماسك وحداته وكان هذا
التفاعل بين القوى هو الذي ضمن نظام الكون بدءاً من مكوناته الأساسية (كالحركات السماوية وانتظام الظواهر الموسمية
وتعاقب الزمن وشروق شمس جديدة كل صباح) إلى أقل هذه الظواهر والمجتمع الإنسانى
نفسه والعلاقات الودية بين الأحياء والمراعاة الدينية لكل الطرق التى سنها الإله
للأشياء واحترامها تلك القواعد التى اشتقت منها عدالة العلاقات الاجتماعية والحياة
الخلقية .وعامة تتمثل " ماعت " في هيئة قضائية وأخلاقية أنها ليست
معياراً ذهنياً أو معنوياً فإن " ماعت " تهددها دائماً هجمات قوى الشر
المعادية ولذا فهى بمثابة طاقة يجب الحفاظ عليها إنها هدف يسعى إليه الملك لتحقيقه
عن طريق إصدار القوانين الصالحة والمراسيم الملكية وبالتالى يتطلب ذلك وجود حدود
معينة لمجابهة السلطة الملطقة من جانب الملك فبمثل هذه الوسيلة يبقى العالم
متطابقاً بالتخطيط الأولى الذي وضعه رب الأرباب عند بدء الخليقة ، ومن هذا المنطلق
كانت ممارسة ماعت مكفولة للبشر وعلى رأسهم الملك فإن ماعت تعتبر قيمة عامة إنها
ليست قانوناً دينياً واضحاً وهذا ما يبرر التباين في التأويل من عهد لآخر لهذا
المفهوم الواسع المدى تبعاً للضرورات السياسية واختلاف شخصيات الملوك بعضها بعضاً
ووفقاً لتطلعاتهم المعنوية ، أيضاً جملة
القول إن ممارسة ماعت تنبعث من قلب التجربة البشرية وليس من داخل الإمتثال
للتعاليم الالهية وإطاعتها ، إن ماعت التى كان يمجدها الملك أمنمحات الأول الذي
أعاد تنظيم أقاليم مصر عند فجر الدولة الوسطى تختلف عن ماعت التى كان يفضلها الملك
أمنحتب الرابع لقد كانت تتناغم مع الطبيعة وتختلف عن مجرى الأمور التى وضعها
خليفته الملك توت عنخ امون بعد أن إستعاد القمة إثر انحسار الضوء عن العمارنة .
وإلى لقاء قريب تقبلوا تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك