سمات الأدب المصرى القديم
يكتب:
أ.د. عبد الحميد عزب
استاذ الآثار والحضارة المصرية بجامعة طنطا
ترك المصرى القديم لنا آثار أدبية رائعة القيمة، مسطورة على الأحجار وأوراق
البردى وغيرها وكلها تدل على أن المصريين القدماء كانوا شعباً عظيم الثقافة رفيع
الأدب بالإضافة لكونه شعباً متديناً... وضع المصرى القديم الأسس الأولى للأدب والفن منذ عشرون قرناً قبل ميلاد
المسيح عليه السلام، ولقد تناول بعض العلماء المحدثون هذه النصوص الأدبية بالترجمة
والشرح والتعليق حتى يمكن لمختلف شعوب العالم تفهم الحياة الأدبية والفكرية للمصرى
القديم.
ويتضح من مختلف الدراسات أن الأدب المصرى القديم يتسم بسمات محددة هى:
1- أن أى ترجمة أو تفسير
لتلك النصوص الأدبية لن تبلغ من نفس القارئ المعاصر ما كانت تؤثر به فى نفوس
كتابها القدامى الذين دونوها وتذوقوها بنفوسهم، وهذا ما نلمسه حين نقوم بترجمة بعض
النصوص فلا نجيد ترجمتها أو التعرف على المعنى المقصود تماماً، وهذا يعود لإختلاف
الثقافة والذوق والزمان.
2- الأدب مرآة لعصره، فمن
خلال نصوصه يمكن التعرف على الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها فى مصر
القديمة .
3- أصالة التراث الأدبى المصرى،
فلقد نشأ على أرضنا الحبيب وجاء وليداً لظروف الشعب المصرى ومعبراً عن مشاعره من
الحزن و الفرح أو كيلاهما معاً، ونتاجاً للتجارب الإنسانية المحلية ... من
الواضح أن الأدب المصرى ربما لم يأخذ عن غيره على الأرجح، وإنما وضع الأسس التى
اهتدى بها الأدب عند معظم شعوب منطقة الشرق الأدنى القديم مثل الأموريين والكنعانيين
والآراميين والعبرانيين ومن بعدهم الإغريق... كانت الأيدى المصرية سابقة فى هذا المجال، ويلاحظ
أن الأدب المصرى عندما أخذ فى التدهور فى العصور المتأخرة فإنه ترك المسرح الأدبى
للأدب اليونانى كامتداد له.
4- كان
الأدب المصرى هادفاً ومرشداً ، موجهاً ومحذراً ومتفلسفاً يقص القصص وينهى عن سوء
الأعمال ويضرب الأمثال، فهو لا يرمى إلى التسلية إلا نادراً، ولعل هذا كله يمكن
إعتباره بمثابة تمهيد أولى لمل سوف تأتى به الكتب السماوية فيما بعد ذلك من نهى عن
المنكر وسوء الأعمال، والحث على حسن المعاملة، واسلوب تناول الطعام، وكيفية إختيار
الزوجة.
5- يلاحظ
صلة الأدب الواضحة بالديانة المصرية، ولا يفوتنا أن الحضارة المصرية وتراثها كما
قلت فى المقال السابق قامت فى أصلها على العقيدة.
6- يتميز
الأدب المصرى بالبساطة والوضوح والواقعية والاتزان إلى حد كبير.
7- تأثر
الأدب المصرى القديم بطبيعة مصر المستقرة الهادئة ونظامها الزراعى وشمسها المشرقة
ونيلها البديع، إنها بدون شك كما ذكر الكاتب جمال حمدان فى كتابه عن شخصية مصر
"عبقرية المكان والزمان "، خاصة وأنه لا يمكنا نسيان ما ذكره الكاتب
"هيردوت" فى "ان مصر هبة النيل" وإن كنت دائماً أختلف معه فى
"أن النيل هبة مصر من الله" فالمصرى مبدع حتى إن إشتدت وقست معه البيئة
أو طبيعة الأرض.
8- مر
الأدب المصرى بمرحلتين رئيستين هما:
أ- الأدب المصرى فى العصر القديم.
تميز
الأدب فى هذه المرحلة التى إمتدت عبر الدولتين القديمة والوسطى، وفيما بينهما عصر
الإنتقال الأول بالمحسنات اللفظية وتجميل الكلمة واللفظ، وبكل أسف فقدنا الكثير من
أدب هذه المرحلة ولم يتم العثور إلا على نماذج أو كتب من الأمثال والتأملات
والتعاليم المدرسية، ولقد بلغ المصرى القديم غايته خلال عصر الأسرة الخامسة حيث
نلمس ذلك ضمن نصائح الحكيم " بتاح – حتب "، وأيضاً من خلال دراستنا
لنصوص الأهرام وغيرها.
ب – الأدب المصرى القديم فى العصر الحديث.
تمتاز
هذه المرحلة بالاسلوب العامى أو لغة العوام، وهذا ما نلمسه فى عصر " أخناتون
" عاشر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، حيث كتبت التسابيح والنصوص الشعرية بمثل
هذه اللهجة أو العامية، بينما نلاحظ كتابة النصوص الأدبية خلال عصر الأسرتين
التاسعة عشرة والعشرين بالمصرية الحديثة :
New
kingdom language texts
هذا أدى
إلى أن النصوص أصبحت أكثر مرونة وحيوية وجمال وذلك بدوره يرجع إلى إنفتاح المصريين
القدماء فى ذلك الوقت على المجتمع الدولى، وأيضاً تغير حالتهم المزاجية وحبهم
لحياة وعيش هذا الزمان، وكما يذكر سليم حسن، أنهم ذاقوا حلاوة الحياة فى هذا العصر
وشاهدوا الدنيا بعين الرضا مما جعلهم يشغفون بها ويعشقونها.
يمكن تقسيم الأدب المصرى إلى أربعة أقسام وهى :
أولاً : الأدب القصصى : مثل قصص "خوفو مع
السحرة" و"الملاح الغريق" و"الأخوين" و "سنوهى"
و"الفلاح الفصيح" وغيرها .
ثانياً : أدب الحكم والأمثال : ونذكر هنا تعليم ونصائح الحكيم "بتاح – حتب"، و "آنى"،
و "كاجمنى" وغيرهم.
ثالثاً :- الأدب الدينى والأسطورى : ونذكر منها أسطورة هلاك البشر، والصراع بين حور وست (الخير والشر)
وغيرها.
رابعاً : أدب الأناشيد والشعر : مثل الأغانى القديمة،
وأناشيد إخناتون وغيرها.
جاء الأدب المصرى متميزاً عن غيره من الآداب القديمة، وكان بطبيعة الحال
نتاج لموقع مصر المتميز وسط ملتقى قارات وحضارات ومؤثرات العالم القديم، فهى
دائماً مصر مقصد الأنبياء، إليها جاء إبراهيم عليه السلام، وعلى أرضها كلم الله
موسى تكليماً، وأقبل عليها اليسوع وأمه العذراء، ثم أصبحت معقل الإسلام والمسلمين.
والى لقاء قريب، مع تحياتى الى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك