الفسيفساء
يكتب:
الاستاذه/ الشيماء المهدي
مفتشة اثار بادارة تعديات وسط الدلتا
الفسيفساء هى نوع من
الزخرفة يقوم على تكوين أشكال فنية مختلفة تعمل بواسطة قطع او فصوص صغيرة من مواد
متعددة ذات ألوان شتى ، واتخذت هذه القطع في بادئ الأمر خلال العصر اليوناني من
الحجر والرخام ، وكون الفنانون في هذا العصر من فصوصها المختلفة صورا تحكي بعضا من
حياتهم الاجتماعية وقصصهم الدينية ، ثم انتقل استخدام هذه الفسيفساء من العمارة
الرومانية إلى العمارة البيزنطية ولا سيما في الطراز القوطي الذي استخدمها في هيئة
قطع صغيرة ذات قوالب مكعبة ، وأجرى عليها الفنانون البيزنطيون تطورا كبيرا شمل
عناصر تكوينها وأساليب صناعتها وطرق استخدامها ، فجعلوها من قطع الزجاج الملون
بدلا من الحجر والرخام ، وان أضافوا إليها في بعض الأحيان مكعبات حجرية وصدفية ،
وزينوا بها جدران عمائرهم بدلا من الأرضيات ، وكونوا بتشكيلاتها الفنية صورا تحكي
بعضا من كتابهم المقدس ، وكان من أعظم ما أبدعوه في هذا الصدد في الفسيفساء التي
عملوها في كنيسة أيا صوفيا .
ثم ورثت العمارة
الإسلامية هذا النوع من الفنون الزخرفية المعمارية منذ عصورها المبكرة ، حيث زين
المسلمون بها خلال العصر الأموي بعض أثارهم الأولى مثل قبة الصخرة في بيت المقدس (72
هـ) وعملوا فسيفساءها من مكعبات صغيرة من
الزجاج الملون وغير الملون والشفاف وغير الشفاف ومن مكعبات الحجر الأبيض والوردي ،
ومن صفائح صغيرة من الصدف ، وثبتوها في وضع أفقي كامل باستثناء المكعبات المذهبة
والمفضضة التي وضعوها بميل قليل لتعكس الضوء الواقع عليها فتزداد رونقا وجمالا ،
وقد انحصرت زخارف هذه الفسيفساء في موضوعات نباتية كثيرة ومتنوعة ، كما زينوا بها
الجتمع الأموي في دمشق (88 هـ) إلا أن الفسيفساء في هذا الأثر كان قد أصابها كثير
من التلف بسبب الحرائق المختلفة التي تعرض لها ولكن بقي منها ما اكتشفه الفرنسي دي
لوريه سنة 1927م تحت طبقة من الملاط ،
وظهرت هذا الجزء المكتشف لوحة رائعة عرفت بلوحة نهر بردي ، وعلى شاطئه مناظر
طبيعية ذات أشجار وغابات وقصور ، وترجع بعض فسيفساء هذا الجامع الى عهد الوليد بن
عبد الملك في القرن الأول الهجري / السابع المبلادي وبعضها الثاني إلى أعمال الترميم
التي أجراها فيه السلطان السلجوقي ملك شاه سنة ( 475 هـ / 1083م ) وبعضها الثالث
إلى عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (658هـ /1260م) وكذلك فقد زين المسلمون
بهذه الفسيفساء من الأبنية الأموية – الى جانب قبة الصخرة وجامع دمشق – قصر هاشم
بن عبد الملك في خربة المغجر شمالي اريحا (105هـ / 723م) الذي عثر في ارضية الحمام
الملحق به على فسيفساء رائعة تعد واحدة من ابدع ما وصل الينا منزخارف الفسيفساء
الاموية حتى الان ، وفي جزء منها شجرة رمان تحتها غزلان واسد ينقض على واحدة منها
ومحراب وقبة الجامع الكبير في قرطبة (169هـ / 785م) ، اما في العصر العباسي فان
ماعرف عن هذه الصناعة لم يخرج عن روايات المؤرخين وعن بعض قطع صغيرة عثر عليها في
سامارا يرجح منها ان فسيفساء العصر الاموي وانها كانت متاثرة ايضا بالاساليب
الهلينستية التي راجت في فنون العصر الاموي بالشام بشكل خاص ، لاسيما وان العراق
كان به صناع فسيفساء من الروم منذ القرن الاول قبل الاسلام .
وكون الفنانون
المسلمون بفصوص الفسيفساء التي استخدموها في هذه الاثار الاموية والعباسية اشكالا
فنية رائعة من النباتات والاشجار والانهار والقصور ، ورغم انهم كانوا – في غالب
الاراء – قد استقدموا لصناعتها عمالا من الروم وجلبوا بعض خاماتها من بلادهم ، الا
انهم كانوا قد حددوا لهؤلاء الصناع من العناصر الفنية والزخرفية ما يتفق مع
عقيدتهم الاسلامية وذوقهم العربي ، فلم يخرجوا بهذه العناصر في عمائرهم الدينية عن
الاشكال النباتية والمناظر الطبيعية مبتعدين بذلك عن تصوير الكائنات الحية التي
كانت تدخل ضمن الاطار المحرم لمضاهاة خلق الله سبحانه وتعالى ، ولو انهم لم يطبقوا
هذه القاعدة فيما زينوه من عمائرهم المدنية كما حدث في القصور الاموية في بادية
الشام وغيرها من منشآت العمارة السكنية .
ثم لم يلبث الفنان
المسلم في عصر سلاجقة الروم ان استبدل الفصوص الزجاجية الملونة لهذه الفسيفساء
بفصوص من الخزف وجدت اعظم نماذجها في مساجد وتكايا مدينة قونية خلال القرنين (6هـ
/ 12م) ومنها مسجد علاء الدين قيقباد ( 61هـ /1220م) الذي تعد فسيفساؤه الخزفية واحدة
من ابدع ما انتجته يد الفنان في هذا العصر ، ومدرسة سرجالي (645هـ / 1247م) التي
حظت فسيفساؤها الخزفية اسماء بعض صناعها ومنهم محمد بن عثمان الطوسي وغيره ،
ومحراب مسجد صاحب اطا (656هـ /1258م) الذي تقوم زخارف فسيفسائه النباتية ذات
العناصر المتداخلة والمتشابكة دليلا صادقا على ان ما وصل اليه صناع هذا العصر من
اتقان قل ان يوجد له نظير ، وعلاوة على هذه الفسيفساء الخزفية فقد كسا صناع هذا
العصر السلجوقي جدران بعض مبانيهم بقوالب من القرميد وضعوها على هيئة الفسيفساء
لكي تؤلف جوانبها الضيقة اشكالا متعددة الاضلاع واطباق نجمية تحصر في حشواتها شتى
الفروع النباتية والزخارف الهندسية .
اما في مصر فقد ظهرت
اول الفسيفساء من مدينة الاسكندرية خلال العصر الروماني ، وانتقلت زخارفها
الهندسية المتشابكة والمجدوة الى البسط الصعيدية التي كانت تصنع قي مدينة انتينوه
( الشيخ عبادة حاليا ) واعطيت للنسيج القبطي اثره في زخارف العمارة الاسلامية ولا
سيما تيجان الاعمدة والعقود التي تعلوها ، حيص تحولت الزخرفة الهيلنستية الى اشكال
جديدة جمعت بين رقة الاكنشس الواردة من سورية وبين الزخارف الهندسية المتشابكة
والمجدولة التي ظهرت في الزخرفة الفسيفسائية السكندرية مما كان له اثره في الزخارف
الهندسية المبكرة في العمارة والفنون الاسلامية ، وقد ورد ان جدران جامع عمرو بن
العاص بالفسطاط كانت مزينة بالفسيفساء ظلت فيه الى ان خلع برجوان العزيزي كثيرا
منها في العصر الفاطمي سنة (387هـ / 977م ) ولكن الامثلة المادية الباقية للزخارف
الفسيفسائية لا تثبت وجود الفسيفساء في عمارة مصر الاسلامية قبل محراب قبة الملك
الصالح نجم الدين ايوب (647- 648هـ / 1249-1250م) وانتقل استخدام هذه الفسيفساء من
عمارة العصر الايوبي الى عمارة العصر المملوكي لنجد اعظم نماذجها في مجموعة السلطان
قلاوون بالنحاسيين (683-684هـ / 1284- 1285م) حيث زخرفت بها جدران الضريح ودعماته
وحنية محرابه ، فضلا عن احواض السبيلين الموجودين قي بيمارستانه ، ولنجد لها نماذج
رائعة اخرى في العصابة التي تزين محراب الجامع الطولوني التي عملها السلطان لاجين
(696هـ /1296م ) وتواشيح محراب المدرسة الطيبرسية بالجامع الازهر (709هـ / 1309م)
وطاقية محراب المدرسة القبغاوية بذات الاثر (740هـ / 1339م) حتى ازدهرت في العصر
المملوكي بعد ذلك صناعة اخرى من صناعات هذا المضمار عرفت في راي البعض بالرخام
الخردة ، وفي راى البعض الاخر بالفسفساء الرخامية ، وكانت تصنع من مكعبات رخامية
صغيرة ملونة كثيرا استخدامها في الارضيات وحنايا المحاريب ووزرات الجدران وجلس
الشبابيك والفساقي والاحواض في الابنية الدينية والمدنية والمملوكية على السواء . وتنحصر
طريقة عمل الفسيفساء بصفة عامة في الرسم التصميم المطلوب بقلم من الرشاش على قطعة
من الخيش المشدود الى لوحة منبسطة ، فاذا ما تم تنفيذ الاطارات قوست اللوحة لتاخذ
شكل التجويف المراد للمحراب ، ثم تقطع فصوص الفسيفساء طبقا للاشكال المحددة في
التصميم ، وتخشن من ظهرها دون وجهها لتثبت على اللوحة بانحدار خفيف بحيث يكون
الرسم جهة الحائط ، وعندما يكتمل تثبيت القطع الفسيفسائية طبقا للرسم او التصميم
الفني تصب المادة الرابطة عليه من الخلف ، وتترك فترة زمنية حتى تجف ، ثم يكشط
الزائد منها وتصقل الللوحة في اخر الامر لتاخذ شكلها النهائي المطلوب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك