مقدمة لديانة قدماء المصريين
يكتب:
أ.د/ عبدالحميد عزب
استاذ الاثار والحضارة المصرية القديمة
تتسم الأديان بصفة عامة بالتعقيد وبخاصة الديانة المصرية القديمة ويرجع ذلك لتغلغل الدين فى كل مظاهر الحياة ، وتشكيله لها، وعلى الرغم من كثرة الدراسات الدينية إلا أننا لا نجد معلومات كافيه أو قاطعة عن معظم التفصيلات الدقيقة فى الديانة المصرية القديمة، ولا زال الكثير من هذه الآراء مجرد اجتهادات من الباحثين
يرى البعض أن المصريين القدماء لم يعرفوا كلمة محددة للدين ، على أساس أنه لم يخطر فى أذهانهم أن ينفصل الدين والدولة، أي أن مصر الفرعونية لم تكن تعرف ما نسميه حالياً بالدولة العلمانية هذا إن كان يمكنا استخدام هذا المعنى، وهذا يعنى أن الدين كان يسيطر على كل شئ لأن المصرى القديم وجد فيه محاولة لتفسير كل الغموض والظواهر الغريبة المحيطة به ، كما كان مجالاً للخيال والاسطورة
وكلمة دين تعنى الطاعة والتعبد لله ، والجمع منها أديان، وكلمة ديان من أسماء الله سبحانه و تعالى وتعنى الحكم أو القاضي أو القهار.
نتناول هنا سمات الديانة المصرية القديمة أو الفكر الدينى والأساطير لدى المصرى القديم فى خلق الكون ونسج الأساطير حول مختلف المعبودات المصرية وكيفية تفاعله مع تلك المعبودات التى أوجدت من البيئة المصرية القديمة سواء كانت حيوانات أو طيور أو حشرات أو غير ذلك ، والتى أختلف العلماء فى تفسيرها وإيضاح أسباب الاعتقاد فى قواها الخارقة
كان الخيال موجوداً بالفعل فى ذهن الكاهن المصرى الذى يقوم باختلاق مثل هذه الصور الدينية والأسطورية، فقد قام بتجسيد الصفات والفكر، فمثلا جسد العدالة (ماعت) فى صورة امرأة تحمل فوق رأسها ريشة، وكان يعتقد أن الرمز يتناسب مع الشىء الذى يرمز إليه بحيث يصبح الواحد بديل الآخر، وقد حاول فى تصوره الأسطوري أن يرجع الأحداث أو نتائج بعض الأحداث إلى العالم الإلهى، الذى لا يمكن إدراكه بالحواس ولو كان موجودا أمامه، ومن هنا حاول المصرى القديم تفسير الأجرام الطبيعية كالسماء والشمس والقمر والنجوم بأنها تنتمى إلي عالم الآلهة وهو العالم الذى يكتنفه الغموض، ومن هنا لجأ إلي التعبير عنه بالرموز
آمن المصرى القديم بخمسة عناصر مقدسة، قامت عليها حضارته وهى:-
1- الكا أو القرين.. ومثلت بشكل ذراعين ممدودتين الى أعلى، وتمثل قرين الإنسان الذى يشبهه تماما ويلازمه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، فيقدم له المساعدات وغير ذلك.
2- البا أو الروح.. ومثلت فى صورة مركبه من جسد طائر براس أدميه، وهى أما صالحه أو طالحة ، فان كانت صالحه فمصيرها الجنة التى هى عندهم كالدنيا من حيث المأكل والمشرب والأولاد ولكنها تخالف الدنيا بأنها باقيه خالدة ، وكان الإنسان الصالح الذى يحصل على لقب " ماع خرو " (مرحوم = مبرأ) بأمر المعبود أوزير، يقدم له قرابين الطعام والشراب، ويعطى ثيابا من الكتان ويرد له قلبه ويجلس يمينه فى الفردوس السماوى
إذن فالجنة حسية كما هو واضح من النصوص المصرية القديمة، وذلك التصور للنعيم تختلف صوره، فبعض النصوص توضحه قاصراً على الطعام والشراب، وبعضها توضحه فى صورة الحرية والقيام بالزرع والحصاد، وبعضها تصوره فى دخول وخروج المتوفى من العالم السفلى وسكناه لحقول فى العالم الآخر تسمى الغاب (إيـارو) ومكانها هو الجنـة، ولكن من الواضح لنا اختلاف المصريين فى تحديد مكان الجنة ، ففى عصر الدولتين القديمة والوسطى قيل أنها تحت الأرض أو خلف الجبل الغربى حيث مغرب الشمس، ثم ظهرت أيضاً مذاهب أخرى بعد ذلك و إذا كانت الروح طالحة فينطق المعبود أو زير بالحكم عليها بالعذاب والفناء الأبدى.
3- الغات أو الجثة.. وهى صورة الإنسان المادية التى حاول بكل الوسائل الحفاظ عليها من البلاء ومن هنا كان التحنيط
4- الشوت أو الظل.. وله فلسفه تشبه فلسفة القرين فالظل يلازم صاحبه إلى النهاية حتى يسكن بسكناه القبر
5- الرن ـ نفر.. لا يقصد به أبداً "الاسم الجميل"، وإنما يعنى"السيرة الطيبة" أوبمعنى " العمل الصالح" الذى يعمله الإنسان فى حياته ثم ينقطع بوفاته
يمكن القول أنه من أراد التمسك بقواعد البحث العلمى الدقيق هنا فعليه أن يدرس كل العناصر الدينية المختلفة فى طقوس المصريين القدماء بما فيها من معبودات وكائنات وعادات وهذا يعنى كتابة مراجع لا حصر لها ، أما من لا يسير على هذا المنهج فعليه التدقيق فى مظاهر هذه الديانة طوال تاريخها من حيث تصور المصرى القديم لآلهته البدائية، ثم كيفية بنائه للمعابد، ثم التحول إلى الوحدانية وغير ذلك من أفكار وفلسفات.
تقبلوا تحياتى حتى لقاء قادم بإذن الله
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتىتقبلوا تحياتى حتى لقاء قادم بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك