مصر بيتنا

مصر بيتنا

الأحد، 14 سبتمبر 2014

الحلي في مصر القديمة

الحلي في مصر القديمة
يكتب:
أ.د/ عبد الحميد عزب
استاذ الاثار والحضارة المصرية بجامعة طنطا


عرف الإنسان الحلى منذ عصور ما قبل التاريخ، أما عن أقدم صناعة للحلى من الذهب فربما تعود لعصر حضارة البدارى، وقد صنعت الحلى من مختلف المواد وعلى رأسها الذهب والفضة ، وكانت الفضة أندر وأثمن من الذهب، لقد صاغ المصرى القديم الحلى لارتدائها فى أماكن الجسم الضعيفة مثل الرقبة، والرسغ والأصابع، وشحمتا الأذن، وأسفل القدمين وغيرها، وقد عثر على نماذج من هذه الحلى ضمن الآثار المكتشفة فى المقابر منذ العصر الحجرى الحديث مثل الفيوم ومرمدة بنى سلامة وغيرها .
أطلق المصرى القديم على الذهب اسم "نبو"، وقد وجد فى عدة أماكن بالصحراء الشرقية فى المنطقة الواقعة بين النيل والبحر الأحمر، وكانت بلاد النوبة هى المكان الأساسى للحصول عليه قديمًا.
أطلق اسم "حج" على الفضة كذلك، كما أطلق على الذهب الأبيض (الفضى) اسم "جعمو"، وهو عبارة عن سبيكة من الذهب والفضة ، قد تكون طبيعية أو صناعية ، ويرجح أن السبيكة التى كان يستخدمها المصريون كانت طبيعية.
استخدمت الأحجار الكريمة ونصف الكريمة أيضًا فى صناعة وتطعيم الحلى ، وأهمها العقيق (حماجت) ومنه اليمانى ، والأبيض ، والأحمر ، وحجر الجميشت ، والزمرد ، والمرمر المصرى ، والمرجان ، والفلسبار ، وحجر الدم ، واللازورد ، والزبرجد ، واللؤلؤ ، والبلور الصخرى ، والفيروز ، والكهرمان ، وغيرها ، أما عن الياقوت والماس ، وعين الهر فلم تكن معروفة لدى قدماء المصريين، إن أقدم منظر يمثل صناعة الذهب يوجد ضمن نقوش مقبرة "نب أم آخت" بالجيزة من عصر الأسرة الرابعة.

تبدأ مراحل الصناعة بوزن الذهب والفضة فى الورشة قبل تسليمهما إلى الصائغ، وعادة كان يوجد نص يشير إلى "وزن السبيكة من أجل الإعداد"، وقد أطلق على ورشة تصنيع الذهب اسم "حوت نبو" بمعنى "مقر الذهب"، أما فى عصر الدولة الحديثة فقد ظهر اسم آخر وهو "إس إن كات" بمعنى "مقر العمل" (الورشة).
يلاحظ أدوات الصاغة ضمن مختلف النقوش المصرية وأهمها : -
موازين لوزن المعدن ، أنابيب غاب ذات أطراف فخارية مثقوبة ملاقط للإمساك بالقطع المعدنية ، حجارة مستديرة الشكل لطرق المعدن ، بوتقات لصهر المعدن ، سندانات حجرية للطرق فوقها ، قضبان معدنية طويلة لرفع البوتقات ، وأزاميل للحك والقطع ، بالإضافة للقوالب الخاصة بالتشكيل ، والمثاقب.

يلى مرحلة الوزن ، مرحلة أخرى وهى صهره على النار داخل بوتقة ، ويوجد ضمن مفردات اللغة المصرية الفعل "نبى" للتعبير عن ذلك بمعنى "يقوم بصهر الذهب" ، ويلاحظ أن مخصص الكلمة يمثل شخص ينفخ النار بواسطة أنبوب ليزيد سعيرها، وعادة كان يوجد نص يشير إلى "صهر الذهب"، ومن الطريف أن نجد أيضًا عبارات تدور على لسان الصاغة كما توضح نصوص مقابر عصر الدولة القديمة ، فنجد عامل يقول "اعطنى سبيكة الذهب "، فيجيبه الآخر "حقًا لا توجد سبائك ، وإنما مجرد أحجار".
يمكن تتبع مراحل صناعة الذهب بعد ذلك حيث يمسك عاملان بماسك معدنى لسكب الذهب المنصهر فى قوالب لتحويلها إلى أشكال أو مكعبات، ويوجد منظر على سبيل المثال ضمن نقوش مقبرة "تى" بسقارة من عصر الأسرة الخامسة يمثل قزمين يسكبان الذهب المنصهر لتحويله إلى سبيكة مستطيلة الشكل، ويوجد نص يقول : - "ست نبو" بمعنى "طرح (سكب) الذهب"، ثم يتم طرق الذهب على حجر كبير ليزداد صلابة، وبعد ذلك يقطع فى صورة شرائح رقيقة وقضبان وأسلاك ذهبية وكان يتم وضعه على النار لاستكمال صياغته ، وذلك بواسطة ملقاط ، وهكذا يصاغ الذهب بالتسخين والقص والتجميع.
كان الصياغ يصهرون المعدن على نيران موقد (كير) فى الخلاء ، وكانوا يصطفون فى شكل دائرى ، ينفخون أنابيب طويلة تنتهى بمقبض فخارى به ثقوب صغيرة لمرور الهواء الذى يزيد سعير النار، ويوجد مثال لهذه الطريقة القديمة ضمن نقوش المقبرة رقم (181) بالأقصر من عهدى أمنحتب الثالث والرابع ، وهى الطريقة السائدة منذ عصر الدولة القديمة، ثم أدخلت عليها تعديلات مع عصر الدولة الحديثة حيث تم تثبيت الأنابيب عند فتحة قربة جلدية مثبتة على الأرض بها حبل متصل بها ، وظيفته التحكم فى فتح وغلق فوهة القربة ، وهذه الطريقة تواجدت إلى جوار الطريقة القديمة، وأحيانًا يصور رجلان يطأ كل منهما على منفاخ كير ، بينما يقوم ثالث بتقليب النار المستعرة من الفحم البلدى كما توضح نقوش مقبرة "رخميرع" بالأقصر من عهد "تحوتمس الثالث"، و"أمنحتب الثانى"، وتتلخص فى قيام عامل بضغط قربتين بقدميه بالتناوب ، ويمسك حبل متصل بأحد القربتين وذلك فى كل يد من يديه ، فيقوم بجذب الحبل المتحكم فى القربة التى يرفع عنها الضغط ، ثم يرخى الحبل عند قيامه بالضغط على القربة ليندفع الهواء فى الأنبوب.
تدل الحلى الذهبية وغيرها على براعة ومهارة الصاغة المصريين وأهم هذه الأدلة الأثرية : -
1 بقايا الأساور الأربعة التى عثر عليها "بترى" فى أبيدوس وتعود للأسرة الأولى .
2 الصفائح والمسامير الذهبية التى كانت تزين التابوت الخشبى الذى عثر عليه داخل أحد سراديب هرم سقارة المدرج من الأسرة الثالثة .
3 أثار الملكة "حتب حرس" من الأسرة الرابعة .
4 رأس الصقر الذهبية التى عثر عليها بمدينة "نخن" (هيراكونبوليس) من الأسرة السادسة .
5 آثار ملوك وأميرات عصر الدولة الوسطى ، التى عثر على أهمها "مورجان" فى اللاهون ودهشور، والتى توضح أن هذا العصر هو العصر الذهبى لصناعة الحلى .
6 آثار "توت عنخ آمون" من الأسرة الثامنة عشرة، بالإضافة لحلى مقابر تانيس ، ومقبرة سابتاح، والسرابيوم وبعضها بالمتحف المصرى والبعض الآخر بمتحف اللوفر بباريس، ولكنها أقل فخامة من مجموعة "توت عنخ آمون" أو مجموعة "بسوسنس".
يلاحظ الفرق بين الحلى الجنازية والدنيوية ، فالحلى الجنازية ثقيلة الوزن ، سهلة الكسر ، غير ملائمة للحياة الدنيا ، كانت تثبت بخيوط ولا يوجد بها مشابك للغلق ، ولا يوجد بها ثقالة للتثبيت على الصدر ؛ بعكس الحلى الدنيوية التى كانت تصنع من معادن ثمينة وترصع بالأحجار النصف كريمة ، وبها مشابك ذهبية للغلق ، كما يوجد بها ثقالة لتثبيت واتزان الصدريات ، وعادة كان يتم تمثيل الحلى الجنازية أحيانًا داخل توابيت عصر الدولة الوسطى لتكون بديلاً عن الحلى الحقيقية فى العالم الآخر، أو ربما كانت تمثل لتلافى سرقة الحلى الحقيقية .
ينتابنى الإعجاب بكل قطعة حلى على حدة لما بها من أشكال وسمات مصرية أصلية بين حلى ومجوهرات منطقة الشرق الأدنى القديم ، ولما بها من إبداع ومهارة فائقة ويمكن إرجاع ذلك لأسلوب أو طرق الصناعة التى يمكن حصرها فى : -
أ طريقة البرغلة (التحبيب) Granulation وقد ظهرت فى عصرى الدولتين الوسطى والحديثة ، وإن كان لى رأى فى أن قيمة وعظمة الحلى المصرية تكمن فى هذه الطريقة متناهية الدقة، حيث كان يتم صهر الشرائط الذهبية لتشكيل الحبيبات والأشكال الدقيقة ، وأحيانًا تتم صناعة ثقوب لتثبيت الخرزات فى السطح المحفور.
ويرجح ارتباط الأقزام بهذه الطريقة من الصناعة نظرًا لدقة صناعة الحلى التى تتطلب أنامل دقيقة وأطراف صغيرة يمكنها الإمساك بالخرزات الصغيرة ، ويمكن مشاهدة ذلك فى العديد من المناظر ، منها منظر ضمن نقوش الجدار الشرقى بمقبرة "نفر كاحاى" بسقارة من الأسرة الخامسة ، حيث مثل أربعة أقزام يصنعون الصدريات ويقومون بنظم خرزاتها.
ب طريقة صقل الحلى بالمينا Glazed ، أو طريقة الطبقات، حيث توضع مادة فوق أخرى، وفيها يتم وضع طبقة لامعة على المعدن ، وتعد من روائع طرق صناعة الحلى ، وتوضح براعة الصياغ المصريون فى إخفاء مواضع اللحام بالزخارف وغير ذلك .
جـ طريقة الغلق أو المينا المحجزة Cloisons ، وتعنى المواد المعزولة بحواجز صغيرة ، وذلك بتثبيت شرائط ذهبية على قاعدة بواسطة الصمغ أو السبائك (بالتسخين واللحام) ، ثم يملئون ما بين هذه الشرائط بعجائن لاصقة ، بعدها يثبتون القطع مختلفة الأشكال والألوان من الأحجار نصف الكريمة أو الزجاج ، وذلك بين هذه الشرائط وقد ظهرت هذه الطريقة منذ عصر الدولة القديمة
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أغلى وأجمل ما فى حياتى
د. / عبد الحميد عزب
استاذ الآثار المصرية القديمة
كلية الأداب – جامعة طنطا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك