مصر بيتنا

مصر بيتنا

السبت، 13 سبتمبر 2014

النوم فى مصـر القديمة



النوم فى مصـر القديمة
يكتب:
الاستاذ الدكتور/ عبدالحميد عزب
استاذ الاثار والحضارة المصرية 
بجامعة طنطا


يعد النوم من الأمور نادرة التصوير في الفن المصري القديم بصفة عامة لسبب غير معلوم حيث يلاحظ عدم وجود مناظر تمثله لدى الملوك والأمراء باستثناء مناظر النوم الأبدي أو الموت، بينما صور الفنان المصري القديم مشاهد من الحياة اليومية للأفراد وقد تغلب النوم عليهم من شدة التعب ويظهر مثال لذلك على كتلة حجرية بالمصري بالقاهرة عثر عليها في مقبرة " سبد – حتب " رقم ( 69 ) بسقارة تعود إلى عصر الأسرة الخامسة حيث يصور راعى أغنام جالساً القرفصاء فوق حصيرة من البردي ممسكاً بعصاة وقد غلبه النوم فذهب في ثُبات عميق جوار كلبة الذي رقد أمامة باسطا ذراعية بالوصيد، ويبدو أن هذا المنظر يمثل نوما حقيقياً بخلاف المناظر التي تصور النائم في الوضع الأفقي ممداً مما يصعب معة الفصل إذا كان نائماً أم ميتا .

يبدو أن التعبير اللغوى عن النوم اختلط بالكلمات الدالة على الموت، فمعظم الكلمات تأخذ مخصص لغوى يمثل مومياء أو شخص مستلقى أو راقد على سرير، مثل كلمات :
سجر ( سنة أو غفلة فى العربية )، ععـوى ( نوم )، منى ( بمعنى المنية )، وكلمة موت ذاتها، وخبت، وغير ذلك من كلمات إختلطت فيها معانى النوم بالموت.
لم يقتصر التعبير المتداخل لغويا عن النوم والموت على تلك المفردات , بل هناك كلمات غير محددة المغزى تعبر عن ذلك أحياناً , كما جاء ضمن نصوص بردية " إيبو ـ ور " في نص يقول : ـ
" المخزن خاوياً ( سُرق ) , وحارسة ممدداً إلى الأرض "
إن كلمة " ممـددا " هنا يصعب تحديد معناها الحقيقي فلم يفهم منها ما إذا كان الحارس ميتاً أم أنة نائماً أو غائباً عن الوعي ؟.
يلاحظ هذا المعنى ضمن نصوص قصة الأخوين ( من الأسرة التاسعة عشرة ) حيث تداخل معنى المـوت مع النـوم , وذلك عندما خرج " أنبو " باحثاً عن " باتا " في وادي الأرز فوجده نائماً على سريره ميتاً , وكما يقول النص : " ..... ( عند ) مشاهدة الأخ الأصغر , نائماً في صورة ميت "


يلاحظ أن كلمة نوم كان يقصد بها معنى اللقاء الجنسي ومنها عبارة " فلننم معاً " وتداخلت مع مفردات هذا التعبير, وورد هذا المعنى في سياق نصوص قصة الأخوين سالفة الذكر , حيث راودت زوجة " أنبو " الأخ الأصغر " باتا " عن نفسة وغلقت الأبواب وقالت : ـ
" وكان أنها وقفت , وأمسكت به, وقالت له, فلتأتي ولنقضي لنا وقتاً نائمين . ".
يظهر نفس المعنى تقريبا ضمن نصوص بردية هاريس , فى قصة " الأمير المسحور " , والتي تشير إلى ملك لم يولد له ولداً ذكراً فدعا الآلهة بأن يمنحوه إياه وتشير النصوص أنه التقي بزوجته فحملت منه كما يقول النص:
" ..... ينام مع زوجته ليلاً فإذا ( هي ) حامل ... "
استخدم المصري القديم كلمة " نوم " أحيانا للتعبير عن اللامبالاة وإهمال أداء الواجبات التي يكلف بها المرء , فكما يوضح " إيبو ـ ور " أنه بسبب غياب رجل الأمن والإرشاد عمت البلاد الفوضى , حيث يتساءل :
" أين هو اليوم ( يقصد رجل الأمن ), أهو نائم ؟ ".

كما عبر المصري القديم بالنوم عن حالة الوهن التي تصيب كبار السن فجاءت كثرة النوم من سمات الشيخوخة والضعف كما توضح نصائح " بتاح ـ حتب " من الأسرة الخامسة عندما وصف ما حل بة من الكبر قائلاً : ـ
" ... البلاء يجيء , والضعف يبدو , ينام ( المرء ) كالطفل كل اليوم , العينان معتمتان , والآذنان صُمتا . "
توضح النصوص أيضاً أن الإنتباه وتلافي الغفلة أهم وسائل الحماية في الدنيا والآخرة , حيث وجدت منذ عصر الدولة القديمة نصوص تحث الرعاة على الحذر من أخطار التماسيح المتربصة في قاع المياة أثناء مرور قطعان الماشية في المناقع والمصارف, ومنها نص يقول : ـ
" أيها الراعي , ليكن وجهك يقظاً ( يقصد عيناك دون غفلة ) لذلك المتخفي في الماء , الذي يأتي غفلة ( دون أن يشاهده أحداً ) ".



ويبدو نفس الأمر في عالم الأرباب حيث لا تأخذهم أبداً سنة ولا نوم , خاصة إذا كان دورهم الأساسي هو الحماية والرعاية , وكما يتضح من نص مصاحب لمناظر الساعة الثانية من ساعات ما في العالم السفلي في أنهم في هذه الصورة يعبدون هذا الإله العظيم , عندما يقترب منهم , إن أصواتهم ( هي ) التي ترشدة إليهم , وإن صياحهم الذي يرافقة بعدما أصدر الأمر إليهم , إن هذة الآلهة هي التي تجعل كلمات من على الأرض تصعد .
يوضح النص هنا يقظة الأرباب وصياحهم لإرشاد قارب الإلة وحمايتة , فهم لا ينامون بينما يجعلون الأرواح تنام .
هناك حالة ثبات فريدة بين الآلهة جديرة بالذكر لجأ فيها الإلة " رع " إلى تنويم " حتحور " في أسطورة " هلاك البشر " وربما حثه على ذلك رغبته في وقاية البشر شر إنتقامها وربما كانت هذة الحالة الوحيدة التي نامت فيها عين الآلهة, يقول النص : ـ
" الاستيقاظ مبكراً بواسطة جلالة ملك مصر " رع ", في عمق الليل, لصب هذا المنوم "
ويعد حلم " تحوتمس الرابع " المدون على لوح عند قدمي أبي الهول بجبانة الجيزة من أشهر أحلام المصريين القدماء , ويشير فيه إلى تجلى " حـور – أم – آخـت " له ودعوته إزالة الرمال المتراكمة حوله , وتبشيره بالملكية., كما يوجد أيضاً عدد من الأحلام الجنسية لدى الأفراد ومنها من يرى أنة يضاجع شقيقته في المنام فإنه أمر جيد لأنه سوف يرث .
يلاحظ تمثيل المعبود " بس " أحياناً على جانبي مساند الرؤوس من أجل حماية النائم من الأرواح الشريرة والأحلام المزعجة, كما وجدت تمائم تأخذ شكل " مسند الرأس " منذ عصر الأسرة الثانية وأصبح يدون عليها فيما بعد الفصل ( 166 ) من كتاب الموتى الذي يشير إلى ربط الرأس بالجسد, ويقظة المتوفى من نومه الأبدي.
مجمل القول أن التعبير عن النوم واقتران مفرداته بكلمات تعبر عن مغزى آخر يمكن أن يوجز فيما يلي : ـ
1) اختلاط معاني الكلمات الدالة على النوم أحياناً مع نظيراتها الدالة على الموت وذلك من حيث تشابه المخصص اللغوي الذي يمثل شخص مستلقي على سرير وغير واضح إن كان يمثله نائماً أم ميتاً , كما توجد كلمات أخرى غير محددة المعنى مثل كلمات " مستلقي " أو " ممـدداً " والتي قد تعني المـوت وربما النـوم ( غياب الوعي ) .
2) استخدمت الكلمات الدالة على النوم للدلالة على الأداء الجنسي أحياناً, وللتعبير عن اللامبالاة والتراخي أحياناً أخرى , بينما استخدمت أيضا للإشارة إلى سمات الشيخوخة .
3) أشارت النصوص إلى مواصفات النومة المثالية التي تمناها المصري القديم وهي النوم على سرير مجهز بمسند رأس في مكان هادئ أسفل ظلال الأشجار داخل بيت مزود بباب يحميه من الأخطار وتجعله ينام في أمان .
4) توضح النصوص أحياناً طبيعة أحلام المصري القديم والتي يعد أشهرها حلم " تحوتمس الرابع " .
5) يبدو أن ندرة تصوير الآلهة في حالة ثُبات جاء نتيجة عقيدة بأن النوم يعبر عن النقائص التي ينبغي ألا يوصف بها الأرباب فهم الأيقاظ دائماً باستثناء المعبود " أوزير " الذي صور مستلقيا على ظهره خلال البعث الأوزيري والذي ينطبق علية معنى " النائم الميت " , وربما يجع هذا إلى أن الأرباب مختصون بالحماية , وفيما عدا حالة تنويم " حتحور " في أسطورة هلاك البشر التي لجأ فيها " رع " لحماية الناس من انتقامها لاتظهر آلهة نائمة .
6) يلاحظ عدم وجود ما يمثل ملك نائماً نوماً حقيقياً باستثناء النوم الأبدي ( الموت ), كما أنه يصعب الفصل بين الحالتين أحياناً , بينما يختلف الأمر عند عامة الأفراد حيث وجدت أحياناً حالات نادرة صورت نوم الحرفيين والأطفال .
أخيراً يمكن القول أن التعبير عن النوم كان غير مألوف لدى الفنان المصري القديم لإرتباطة بالرقاد والممارسة الجنسية, أو عدم الاهتمام واللامبالاة وهي من الخصال التي تنكر منها المصري القديم , وربما كان النوم نفسة تعبيراً عن عدم القدرة على التحمل والوهن التي تصيب الإنسان , وذلك فضلا عن حرص الفنان على تصوير الملوك والنبلاء في صورة مثالية لا تعتريهم أى نقائص .

حتى نلتقى بمشيئة الله، تقبلوا تحياتى
مع تحياتى إلى الماضى فإنه أجمل وأغلى ما فى حياتى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قال الاجداد "صم شفتيك.. وراقب يديك.. واكبح جماح قلبك"
اترك تعليقك وافتخر بمصريتك